الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
سؤال طالما تحيرنا فيه :
لماذا لا يُستجاب دعاؤنا ! مع أن الله تعالى قد تعهّد باستجابة الدعاء،
وللاجابه على هذا السؤال تأملوا قوله تعالى جيدا
(
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)
ففي قوله (
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ )
نفهم ان الاجابه واقعه نافذه بحول الله لكن عندما نتابع قوله ( فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)
نفهم ان الاستجابه للدعاء مشروطه بشرط لابد من تحقيقة لتكن الاستجابه فوريه
ماهذا الشرط الذي ينبغي علينا ان نعمل به ؟
لنعد ونتأمل ايات اخرى جاءت في سورة الانبياء كلها تذكر دعوة لنبي من انبياء عليهم جميعا افضل الصلاة واتم التسليم
(
وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ)
(
وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ)
(
وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ)
(وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ)
جميع الدعوات كانت الاستجابه فيها من الله فوريه
فما هو سرّ هذه الاستجابة السريعة لأنبياء الله!
وحتى لايقفز الى الذهن مفهوم انهم انبياء وعناية الله لهم تستدعي اجابة دعوتهم اقراء قوله تعالى وفيه جواب للسؤال (
إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) من خلال هذه الايه نعلم اجابة السؤال وهو
ان استجابة الدعاء يتحقق بشرط تحقيق ثلاثة امور هي :
-
المسارعة في الخيراتالخطوة الأولى على طريق
الدعاء المستجاب هي الإسراع للخير فهم لا ينتظرون أحداً حتى يدعوهم لفعل الخير، بل كانوا يذهبون بأنفسهم لفعل الخير، بل يسارعون، وهذه صيغة مبالغة للدلالة على شدة سرعتهم في فعل أي عمل يرضي الله تعالى. وسبحان الله، أين نحن الآن من هؤلاء؟
كم من المؤمنين يملكون الأموال ولكننا لا نجد أحداً منهم يذهب إلى فقير، بل ينتظر حتى يأتي الفقير أو المحتاج وقد يعطيه أو لا يعطيه – إلا من رحم الله.
فإذا لم تقدّم شيئاً لله فكيف يقدم لك الله ما تريد؟
إذن فعل الخير أهم من الدعاء نفسه، لأن الله تعالى قدّم ذكر المسارعة في الخير على ذكر الدعاء فقال: (
إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا).
2
-الدعاء بطمع وخوف:الخطوة الثانية هي الدعاء، ولكن كيف ندعو: (
وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا).
الرَّغَب أي الرغبة بما عند الله من النعيم،
والرَّهَب هو الرهبة والخوف من عذاب الله تعالى.
إذن ينبغي أن يكون دعاؤنا موجّهاً إلى الله تعالى برغبة شديدة وخوف شديد.
وهنا اسأل نفسك
عندما تدعو الله تعالى، هل تلاحظ أن قلبك يتوجّه إلى الله وأنك حريص على رضا الله مهما كانت النتيجة، أم أن قلبك متوجه نحو حاجتك التي تطلبها؟!
وعندما تدعو الله تعالى وتطلب منه شيئاً فهل تتذكر الجنة والنار مثلاً؟
هل تتذكر أثناء الدعاء أن الله قادر على استجابة دعاؤكن وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء؟
هل تتذكر وقتها أن الله أكبر من هذا الأمر، أم أنك تركز كل انتباهك في الشيء الذي تريده وترجوه من الله؟
ولو عدنا لقراءة الايات التي اشتملت على دعوات الانبياء لوجدنا ان ما من نبي من الأنبياء يطلب شيئاً من الله إلا ويتذكر قدرة الله ورحمته وعظمته في هذا الموقف.
فسيدنا أيوب بعدما سأل الله الشفاء قال: (
وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)، وسيدنا يونس والذي سمَّاه القرآن (ذَا النُّونِ) والنون هو الحوت، الغريب في دعاء هذا النبي الكريم عليه السلام أنه لم يطلب من الله شيئاً!! بل كل ما فعله هو الاعتراف أمام الله بشيئين: الأول أنه اعترف بوحدانية الله وعظمته فقال:
(لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ)،
والثاني أنه اعترف بأنه قد ظلم نفسه عندما ترك قومه وغضب منهم وتوجه إلى السفينة ولم يستأذن الله في هذا العمل، فاعترف لله فقال: (
إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ).وهذا هو شأن جميع الأنبياء أنهم يتوجهون بدعائهم إلى الله ويتذكرون عظمة الله وقدرته ويتذكرون ذنوبهم وضعفهم أمام الله تبارك وتعالى.
3-
الخشوع لله تعالىوالأمر الثالث هو أن تكون ذليلاً أمام الله وخاشعاً له أثناء دعائك، والخشوع هو الخوف: (وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ). وهذا سرّ مهم من
أسرار استجابة الدعاء، فبقدر ما تكون خاشعاً لله تكن دعوتك مستجابة.
والخشوع لا يقتصر على الدعاء، بل يجب أن تسأل نفسك:
هل أنت تخشع لله في صلاتك؟
وهل أنت تخاف الله أثناء كسب الرزق فلا تأكل حراماً؟
وهنا ندرك لماذا أكّد النبي الكريم على أن يكون المؤمن طيب المطعم والمشرب ليكون مستجاب الدعوة.
هل فكرت ذات يوم أن تعفوَ عن إنسان أساء إليك؟
هل فكرت أن تصبر على أذى أحد ابتغاء وجه الله؟
هل فكرت أن تسأل نفسك ما هي الأشياء التي يحبها الله حتى أعملها لأتقرب من الله وأكون من عباده الخاشعين؟
هذه أسئلة ينبغي أن نطرحها ونفكر فيها، ونعمل على أن نكون قريبين من الله وأن تكون كل أعمالنا وكل حركاتنا بل وتفكيرنا وأحاسيسنا ابتغاء وجه الله لا نريد شيئاً من الدنيا إلا مرضاة الله سبحانه، وهل يوجد شيء في هذه الدنيا أجمل من أن يكون الله قد رضي عنك؟
تقبل الله منا جميعا دعواتنا وبلغنا حاجاتنا واكرمنا بما يرضيه عنا